قال د. عمار الحريري الباحث فى الحديث النبوي وعلومه، إذا كانت مرجعية الإسلام القرآن الكريم والسنة النبوية، فلا بد أن تكون على نسق واحد ومطردة ومتوافقة، كما قال الشاطبي: “لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض”، فالشريعة تجري أحكامها مطردة على نسق واحد وفق القياس، سواء أكان قرآنا أو سنة، ولا يتصور أن الله تعالى الذي أمرنا بطاعة رسوله، أن يأمر رسوله عليه الصلاة والسلام بأن يُشرّع ما يخالف أوامره أو يخالف نظامه العام ومقاصده، وقد جعل الله القرآن جوابا لأسئلة الصحابة وتلاوة لما حرّم وفرض من أحكام، وتفصيلا لكل شيء.
وتابع الحريري، أن الله تعالى أمرنا بطاعته أولا بقوله “أطيعوا الله” وقوله تعالى ” فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ” وأمر بطاعة رسوله”وأطيعوا الرسول”، وجعل إطاعة الرسول طاعة له (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله) فإذا كانت طاعة الله تعالى بالقرآن الذي أمرنا باتباعه، فما هي طاعة الرسول الذي جعله الله تعالى قدوة لنا؟ فرأس طاعة الرسول هو أن نصدقه بأنه جاء بالوحي وبالقرآن العظيم، ولا نطلب منه استبداله، وأن يأتي بقرآن غيره، قال تعالى( قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ).
أوضح الباحث فى الحديث النبوي وعلومه أن طاعة الرسول تتجلى في اتباع ما يتلوه من أحكام في القرآن الكريم، قال تعالى (كتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)، وطاعة الرسول كانت في حق الصحابة بأن يرضوا بحكمه ويسلموا تسليما، قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، وطاعة الرسول في حقنا، أن نقتدي به دينا وخلقا وممارسة وسنة، فهو صاحب الخلق العظيم وهو القدوة الحسنة، قال تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).
أضاف الحريري أن نسق هذا الدين ومركزيته كتاب الله تعالى، فمن أمرنا أن نطيع الرسول، أمر الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتبع القرآن الكريم وأن نتبع الرسول بما أنزل عليه، فهل نحتاج إلى استقراء الآيات لندلل على هذه الحقيقة البديهية؟ فهذا التأصيل القرآني يتطلب منا أن نُمحص ونُهذب المرويات التي طالما خرجت عن نظام القرآن ونسق الشريعة لتجعل منه متنافرا ومختلفا، لتدل على أنها أبعد من أن تكون سنة نبينا حقا.
فلا البخاري ولا مسلم ولا السنن أولى بالاتباع من كتاب الله تعالى، بل لما تنظر بالمرويات المصححة وما وقع فيها من تعارض واختلاف واضطراب وتضارب ووقفٍ ورفعٍ ووصل وإرسال وإدراج وزيادات ورواية معنى وترجيح ونسخ، ومرة بمخالفتها لكتاب الله تعالى، ومرة بمخالفتها السنة المشهورة أو كما مثّلها مالك بعمل أهل المدينة، ومرة بمخالفتها البديهيات والعقول السليمة ومرة بمخالفتها الحقائق التاريخية، أليس كل ذلك مدعاة للشك لروايات تخبرك بنفسها أنها لم تثبت؟
أكد الحريري أن ادراك مثل هذا التأصيل يحل إشكاليات كبيرة ويوصل إلى منهج سليم قويم في الدفاع عن هذا الدين العظيم والسنة النبوية وما وقع به من انحراف مرجعي خطير، سائلا المولى عز وجل أن يردنا إلى أقوم هداية وأحسن سبيلا ويرزقنا الحق واتباعه.