التنزيل هو القرآن، وهو كلام الله وآياته، أنزله الله على رسوله وكلّفه بأن يقوم بتبليغه للناس، ويرشدهم إلى ما في آياته من منفعة لهم في الدنيا والآخرة. فلا يجوز أن تُوضع آيات القرآن ضمن المقاييس العقلية والظنون البشرية، لأنّها فوق إدراك الإنسان ومقاييسه المحدودة، فهي وحيٌ من رب العالمين يحمل مقاصد العدل والرحمة والهداية.
وكلمة الله ستظل هي العليا للمؤمنين، مصدقين بها مطيعين لأوامر الله دون تردد أو ظنون أو شكوك. ولذلك فإنّ ما فعله بعض الفقهاء من تأويلٍ وتحريفٍ للروايات تسبب في تفريق المسلمين، وتشويهٍ متعمد لوقف مسيرة الإسلام الخيّرة، ليعيش الناس في ضلالٍ بدل أن يعيشوا حياةً طيبةً آمنةً ومطمئنة في ظلّ هدي القرآن.
ولأنّ نور الله لا ينطفئ، ستظل آياته وكلماته مشرقة في كونه حتى قيام الساعة، تُضيء للعقل دربه، وتسكب في القلب سكينته، فآيات القرآن تهدي الإنسان إلى طريق الحق وتكسبه رضا الله، ليغفر له ذنبه ويبارك سعيه، وتنزل عليه رحمته وبركاته، فينال في آخرته جنة النعيم.
إنّ القرآن هُدى للناس، فهو خارطةُ الله لعباده، يبيّن لهم سبل الخير والرشاد. فإذا أعرض الإنسان عن تلاوته والتدبر في آياته، فقد أعرض عن النور الذي يحكم الحياة بتشريعاتٍ إلهيةٍ تدعو إلى الرحمة والعدل والسلام بين جميع خلقه، وتنشر التعاطف بين الناس لبناء مجتمعٍ إنسانيٍّ قائمٍ على الحب والتكافل لا على الحقد أو البغضاء.
وذلك المجتمع الذي يرسمه القرآن هو مجتمعٌ لا بائسَ فيه ولا فقير، ولا جبّارَ فيه ولا حقير، الكل فيه إخوةٌ في الإنسانية، ربهم واحد، وخالقهم واحد، وكتابهم واحد ـ القرآن الكريم ـ، والجميع يقفون في خشوعٍ أمام ربّ العالمين لا يملك أحدٌ شيئًا من أمره.
غير أن أعداء الله والمتآمرين على رسالة الإسلام استطاعوا أن يشيّدوا رواياتٍ تتعارض مع قيم القرآن وسماحة الدين، فاعتمدوا الأحاديث المفتراة على الله ورسوله أساسًا لتفسير آياته، وأغفلوا الآيات البيّنات التي توجّه الإنسان إلى طريق الخير والحق. ومن هنا كان لا بدّ من التمييز بين **الخطاب الإلهي** و**الخطاب الديني**؛ فالأول مصدره ومرجعيته الوحيدة القرآن الكريم، كلمة الله وآياته، أما الثاني فقد تأسس على رواياتٍ بشريةٍ متناقضةٍ أشعلت الفتن في المجتمعات المسالمة وزرعت الشقاق بين أبناء الأمة الواحدة.
وهكذا طغت الروايات على الآيات، فاستحوذت على العقول وساقت الناس إلى التنازع فيما بينهم، حتى انصرفوا عمّا بلّغهم رسول الله من القرآن الكريم، واتبعوا ما ألّفه بعض العلماء وشيوخ الدين من رواياتٍ تناقض روح الرسالة.
ولا خلاص للمسلمين اليوم إلا بالعودة إلى كتاب الله وقرآنه الكريم، الذي يضيء الطريق ويخرج الناس من الظلمات إلى النور، فهو مرجع العقيدة ومنهج الحياة وميثاق العدل الإلهي.
إنّ رسالة الإسلام التي بعث الله بها رسوله محمدًا ﷺ جاءت في كتابٍ كريمٍ ليهدي الناس كافة إلى سبيل الخير والصلاح، ويحرّرهم من استعباد البشر للبشر، ويقيم العدل بين الناس على أساسٍ من الرحمة والمساواة. ومن أجل ذلك، يجب أن تُجنَّب الروايات والتفسيرات التي افتُريت على الله ورسوله، ليبقى القرآن وحده المرجعية الوحيدة لرسالة الإسلام، كما أراد الله له أن يكون.
ولأن التشريع الإلهي في جوهره يقوم على الرحمة، فقد وضع من القواعد ما يضمن حصانة الأسرة واستقرارها، ويمنع ضياع الأبناء وتشردهم، فجعل للعِشرة ضوابط تحفظ الكيان الأسري وتمنع الانفصال إلا بعد استنفاد كل سبل الإصلاح والمودة، رحمةً بالإنسان وصونًا للمجتمع.
إنه لا مناص للمسلمين من العودة إلى المرجعية الأم والأوحد والأعلى، **مرجعية القرآن الكريم**، كي لا ترتهن عقولهم لمرجعياتٍ بشريةٍ زائفة، وليتجدد في الأمة وعيها برسالة الإسلام النقية التي تدعو إلى الرحمة والعدل والسلام.
> ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: 123].