متى يفيق المسلمون من غفوتهم ويرجعون إلى ما ينفعهم ويرحمهم والذي يحرص على أمنهم وسعادتهم هو الله الذي رسم لهم في الذكر الحكيم طريق الخير والسلام والحياة الطيبة أليس ذلك الموقف الذي يبين جحود المسلمين لربهم ونكرانهم أوامره ونصائحه ورعايته لخلقه يكرر النصيحة ويحذرهم من طريق الباطل و يعرفهم مسارات الخير والسبل التي تحميهم من النفوس الأمارة بالسوء وأتباع الشيطان، وكم حذر الله الإنسان من الشيطان في كثير من الآيات وبين للإنسان أهدافه الخبيثة لكي يأخذ منه الحذر ولكن الشيطان استطاع بواسطة النفوس الضعيفة أن يخترق الحواجز ويسوغ للنفوس طرق الشر وما أكثر ضحايا الشيطان في السجون والذين ينتظرون أحكام الإعدام والهاربون من القضاء والذين يعيشون في بؤس وشقاء.
ألم يتخذ الإنسان تلك القضايا عبرة وما واجهه من حياة الضنك والشقاء وعدم الطمأنينة والخوف والهلع والفزع ويرجع إلى الله الغفور الرحيم الودود اللطيف جل وعلا الذي يمنح عبده إن سار على نهجه السكينة والطمأنينة والنعمة ليحيا حياة طيبة ولكن الإنسان جحود كفور بنعمة الله وفضله.
فكم من الأغنياء نسوا الله فأنساهم أنفسهم وأخذ ما لديهم من ثروات وقصور حين لم يراعوا شرعة الله ومنهاجه في حياتهم واتباعها سلوكا ومعاملة بين كل الناس وترجمة كل ما أمر الله به الناس من الأخلاق السامية وقيم الفضيلة من رحمة وعدل ونشر السلام والتعامل بالإحسان بين الناس كما أمر الله رسوله الكريم في قوله سبحانه: {ٱدْعُ إلىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ ۖ وَجَـٰدِلْهُم بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ} {النحل: ١٢٥}، ثم يوجّه الله سبحانه رسوله بقوله: {وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَـَٔامَنَ مَن فِى ٱلْأَرْضِ كُلُّهُمْ جميعا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا۟ مُؤْمِنِينَ} {يونس: ٩٩}، وخطاب الله لرسوله بقوله سبحانه: {وَقُلِ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ} {الكهف: ٢٩}.
بالرغم من الآيات السابقة التي منح الله بها الإنسان في كل مكان وزمان حرية الاعتقاد وحرية اختيار الدين الذي يتفق مع قناعاته وإيمانه، إضافة إلى توضيح الله لرسوله أن إعتناق دين الإسلام اختيارا وطوعًا دون إكراه أو فرض إعتناق الإسلام بالقوة كما قال سبحانه: {لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَىِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِٱلطَّـٰغُوتِ وَيُؤْمِنۢ بِٱللَّهِ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ لَا ٱنفِصَامَ لَهَا ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} {البقرة: ٢٥٦}.
فكيف تجرّأ العابثون بالتحايل على شرعة الله للناس في منحهم حرية مطلقة في اعتناق الإسلام ديناً واستعد الإنسان ليتخذ آيات القرآن شرعة ومنهاجاً ويتعهد على الالتزام بعهده مع الله وتنفيذ العقد بينه وبين الله في الالتزام الكامل بتطبيق شرعته واتباع منهاجه في حياته وأن لديه العزيمة في مواجهة النفس الأمارة بالسوء لترويضها في اتباع آيات الذكر الحكيم وما يحققه ذلك للإنسان من تحصين عن المعاصي والذنوب ويجعل للإنسان حياة طيبة في الدنيا، وفي الاخرة وعده الله بجنات النعيم فمتى يتحقق ذلك الوعد الالهي حينما ينتصر لله على نفسه ويترجم كل خطوة في حياته وسلوكه وعلاقاته من الناس جميعاً مترجماً شرعة الله ومنهاجه قولا وعملا يمارسه في كل لحظة من حياته فمعنى أن ينتصر الإنسان لله فإنه خالف الشيطان والهوى وتحكم في شهوات النفس وسيطر على إغواء الشيطان ولم يتبع ما يوسوس له الشيطان من القيام بأعمال تتناقض مع التشريع الإلهي ومنهاجه ويرتكب المعاصي والذنوب .