يترقب الأردنيون مآلات الأسواق قرب حلول شهر رمضان الكريم، في ظل عدد من التحديات الاقتصادية التي تغلف المشهد وتُفضي إلى مزيدٍ من الضغوط على الأسر قبيل شهر يرتفع فيه الطلب على السلع الأساسية، ومن ثم ترتفع الأسعار، وبما ينعكس على معدلات التضخم بالبلاد.
ويأتي ذلك في وقت يواجه الأردن، كغيره من اقتصادات مختلفة حول العالم، آثار الصدمات المتتالية التي تعرض لها الاقتصاد العالمي، بدءًا من جائحة فيروس كورونا، وحتى الانعكاسات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة للحرب في أوكرانيا، لا سيما على الاقتصادات التي تعتمد على الواردات الغذائية من الخارج.
وبالنظر إلى أن المملكة الأردنية تستورد قرابة الـ 80 بالمئة من غذائها من الخارج، طبقاً للتقديرات الرسمية، وبكلفة تتجاوز سنوياً الـ 4 مليارات دولار، فإن أسعار السلع، ولاسيما الأساسية منها، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بارتفاع الأسعار الخارجية وبالتالي معدلات التضخم المستورد، وهو ما يعزز مخاوف المواطنين من ارتفاعات متتالية للأسعار، خاصة مع حلول “موسم صعب” يشكل ذروة الطلب والاستهلاك سنوياً.
مؤشرات اقتصادية
- بلغ معدل التضخم في الأردن خلال شهر يناير 3.77 بالمئة على أساس سنوي، بسبب ارتفاع مؤشر المجموعة السلعية في البلاد.
- على مدار العام الماضي 2022، ارتفع معدل التضخم في الأردن بنسبة 4.23 بالمئة مقارنة بالعام 2021.
- تسارع نمو اقتصاد المملكة الأردنية في 2022 رغم الاضطرابات الاقتصادية العالمية، مدفوعاً بتقدم قوي في الإصلاحات الهيكلية المدعومة من صندوق النقد الدولي، والتي خففت التداعيات على الاقتصاد وعززت استقرار الاقتصاد الكلي، طبقاً للصندوق.
- يتوقع الصندوق ثبات نمو إجمالي الناتج المحلي للأردن عند 2.7 بالمئة، مع نجاح البنك المركزي في الحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي.
شهر ذروة الإنفاق.. وارتفاع الأسعار
في حديث مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” يشرح الخبير الاقتصادي الأردني، حسام عايش، طبيعة المشهد الاقتصادي بالبلاد مع قرب حلول شهر رمضان، موضحاً أن “رمضان هو الشهر الذي تتضاعف فيه نفقات الأسر على الطعام والشراب تحديداً، وهو الشهر الذي ترتفع فيه الأسعار خاصة في العشرة أيام الأولى منه بشكل أكبر مما هو معتاد، وهو الشهر الذي يمثل ذروة الإنفاق لدى الأسر في الأردن والعالم العربي والإسلامي”.
وبالتالي فإن المشكلات المتعلقة بشهر رمضان هي “مشكلات مرتبطة بالتكيف مع ارتفاع الأسعار وزيادة الإنفاق وتأثير ذلك على توازن الدخل ونفقات الأسر الأردنية ربما لأشهر لاحقة أيضاً، ولاسيما أن الشهر يليه عيد الفطر مع كل تكاليفه الإضافية المعروفة”، بحسب عايش، الذي يشير أيضاً إلى أن:
- معدل إنفاق الأسرة الأردنية على الطعام والشراب في حدود من 33 إلى 34 بالمئة من إجمالي الإنفاق البالغ 12519 ديناراً سنوياً للأسرة الواحدة.
- في شهر رمضان يتضاعف هذا الإنفاق مرتين أو ثلاث مرات في بعض الأحيان، ويأتي على حساب نفقات أخرى أو يخلق أعباءً إضافية (سواء على شكل ديون أو على شكل تأجيل لفواتير مستحقة أو على شكل حتى قروض هناك مطالبات بتأجيل أقساطها).
- نلمس الآن مقدمات ارتفاع الأسعار كما هو المعتاد؛ لأن التجار يجدون أن الشهر يمثل فرصة لتعويض انخفاض الإنفاق لدى المواطنين في الأشهر السابقة.
- تنشط الحلقات الوسيطة بين المستهلك والتاجر أو البائع أو المزارع، وبما يؤدي إلى مزيد من ارتفاع التكلفة والأسعار.
ارتفاع تكلفة المعيشة
ويشير عايش إلى مدى تأثر الفقراء ومحدودي الدخل حتى الطبقة المتوسطة أيضاً ممن يعاني جميع أفرادها من ارتفاع تكلفة المعيشة وارتفاع الأسعار، ويعبر عن ذلك ارتفاع معدلات التضخم، مستدركا: “صحيح أنها معدلات منضبطة في الأردن، لكن هذا الانضباط لأسباب تتعلق بالطريقة التي تُحتسب بها وليس لأسباب تتعلق بعدم وجود ارتفاع في الأسعار”.
ويتابع: “الناس تشعر بارتفاع الأسعار كمقياس أكثر دقة من النسب والبيانات الإحصائية التي تصدر عن الجهات الرسمية الأردنية”. وأمام هذا الوضع يلفت إلى أن “شهر رمضان أصبح يمثل مشكلة بالنسبة للأسر في الأردن وغيرها بسبب الاستهلاك، بالتالي ترتفع دعوات الترشيد وتقليل الطلب وعدم الاندفاع للأسواق مرة واحدة”.
وعن الجهود الرسمية لضبط الأسواق، يرى الخبير الاقتصادي الأردني أن جهود مراقبة الأسواق تحولت لأمر روتيني تكاد نتيجته تكون صفراً؛ ذلك أن “الحالات التي يتم الإعلان عن ضبطها لا تؤثر في المشهد العام لجهة ارتفاع التكلفة والأسعار”.. كما يُبرز في الوقت نفسه عدداً من الإشكاليات المصاحبة للمشهد العام والتي ترفع حدة الفجوة والضغوط خلال الشهر، ومنها:
- ارتفاع معدلات البطالة إلى ما يقرب من 23 بالمئة (واحد من كل أربعة أردنيين من دون عمل)
- ارتفاع نسب الفقر إلى حوالي 24 بالمئة
- ارتفاع أعداد المتقاعدين إلى أكثر من 22 بالمئة
- الأردنيون خسروا حوالي من 4 إلى 5 بالمئة من دخلهم إبان فترة جائحة كورونا، وبعضهم لم يستعد هذا الدخل بعد، ومن استعاده فإن ارتفاع التضخم إلى ما فوق الـ 4 بالمئة جعله يبقى خارج نطاق التغطية
- الأردن يستورد ما بين 80 إلى 85 بالمئة من احتياجاته الغذائية أو المدخلات الخاصة بالإنتاج الغذائي من الخارج، وبالتالي “نحن معرضون باستمرار لارتفاع الأسعار من المصدر والتضخم الذي نستورده من الخارج.
ارتفاع الأسعار.. وغياب الرقابة
من جانبه، يرصد الناطق باسم الجمعية الوطنية لحماية المستهلك في الأردن، الدكتور حسين العموش، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عدداً من المؤشرات التي تعكس حركة الأسعار بالبلاد قبيل الشهر المعظم، على النحو التالي:
- الأسواق تشهد ارتفاعات متكررة في أسعار السلع الأساسية (المحلية والمستوردة على حد سواء)
- هناك غياب لدور الجهات الرقابية على الأسواق
- من بين أبرز السلع الأساسية التي طالها الغلاء: الدجاج واللحوم والألبان والأرز والسكر وبعض الزيوت وغير ذلك من المواد الأساسية
- غالبية الأردنيين يعيشون ظروفاً صعبة من الناحية الاقتصادية، ويعانون من ضعف القدرة الشرائية، ولا يتحملون أعباءً إضافية.
ويشير العموش إلى أن تلك الزيادات تأتي بينما يُقبل شهر رمضان الذي يشهد في العادة ارتفاعاً في الأسعار بالتزامن مع زيادة الطلب على السلع الأساسية فضلاً عن اتجاه بعض التجار لرفع الأسعار مستغلين حاجة المستهلكين، مشيراً في الوقت نفسه إلى أهمية الاعتدال والترشيد في الاستهلاك بما يتناسب والقدرات المالية، إلى جانب مقاطعة السلع التي تشهد ارتفاعاً مبالغا به في أسعارها.
ويسلط الناطق باسم الجمعية الوطنية لحماية المستهلك في الأردن، الضوء على عددٍ من المواد الأساسية التي طالتها الزيادة قبل شهر رمضان، على النحو التالي:
- كيلو لحم الخروف الذي كان يتم بيعه بين 5.5 و6.5 دينارات، يُباع حالياً ما بين 6.5 إلى 7.5 دينارات.
- دجاج “النتافات” كان يُباع بدينار و20 قرشاً ويُباع الآن ما بين دينار ونصف ودينار و70 قرشاً.
- شهدت أسعار الأرز ارتفاعاً بنحو 25 قرشاً، فيما حاولت بعض الشركات الإبقاء على نفس المستوى السعري لكن مع تقليل الوزن، وأخرى قللت الوزن ورفعت السعر في نفس الوقت
- بعض شركات الألبان رفعت الأسعار 15 قرشاً دون الرجوع لوزارة التجارة.
المصدر: سكاى نيوز